عودة للتعليق حول موضوع الشروگ وأصلهم وفصلهم
وردتني منذ سنوات بعض الكتابات التي تنتقص بطريقة عنصرية ودونية بعض من فئات شعبنا العراقي العريق وأحببت أن اوضح تأريخيا بعض من هذه الحقائق من خلال قرائتي وإطلاعي على تأريخ شعبنا وأعيد ما كتبت في عام 2008 لأرد على بعض المتخرصين عن الشروگ والمعدان وأرجوا أن يكون نافعا.
مع التقدير.
معنى كلمة ال شروگ: يردد بعض من الناس هذه الكلمة العنصرية وهم لا يعلمون أصولها وتأريخها. ورأيت من الملائم ان أخوض في الموضوع واكتب على قدر معرفتي وأحاول التوضيح فقط لمن لا يعرف اصول هذه الكلمة ومعناها العنصري خاصة من جيل السبعينات من القرن الماضي والجيل الجديد الذي تربى في الخارج أو حسبما أراد له الحكام الطغاة البعثفاشيين المقبورين.
تطلق هذه التسمية العنصرية شروگ على قسم من العراقيين الذين كانوا يقطنون أو استوطنوا شرقي بغداد في أواخر الأربعينات وأوائل الخمسينيات اي أواسط القرن العشرين. سكن هؤلاء المساكين المعدمين في الناحية الشرقية من سدة ناظم باشا الغير محمية من أخطار الفيضان في ضواحي بغداد الشرقية. وكانت تدعى هذه المنطقة في الخمسينيات بمنطقة (خلف السدة) والمقصود بها نفس السدة الشرقية التي تحمي بغداد من الفيضان والتي بنيت في عهد الحاكم العثماني المملوك ناظم باشا.
كان سكان بغداد غرب السدة, كانوا من الأمراء والوزراء (سميت منطقة غرب السدة بالوزيرية, وهي محلة أنشئت على أرض زراعية واسعة تملَّكها بعض ولاة المماليك في بغداد في أوائل القرن التاسع عشر كانوا يلقبون بالوزراء. والوزيرهي رتبة عثمانية تسند الى كبار الموظفين وبخاصة الولاة في الولايات المهمة فنسبت اليهم.), وهؤلاء السكان الأغنياء غرب السدة أُطلقوا لقب الشروقيين (وباللهجة العامية العراقية الشروگ) على قاطني المناطق خلف السدة قاطبة, لكونهم من طبقة تدانيهم في المكانة الإجتماعية.
المعروف لدى أهل بغداد أن سكان خلف السدة جاءوا من جنوب وشرق بغداد وكانوا من فقراء العامة الهاربين من نير الإقطاع والظلم الإقطاعي والإجتماعي في القرى والأرياف ويتكلمون (بطريقة الوسط وجنوب العراق) بلغة تغلب عليها العامية العراقية الجنوبية المشبعة بالمصطلحات الفلاحية وكانوا في الغالب يدينون بالمذهب الجعفري بعكس سكان منطقة الوزيرية من الوجهاء كانوا يمثلون الطبقة الحاكمة وغالبيتهم من المذهب السني (وعاظ السلاطين) لذلك فقد اصبحت التسمية (الشروگ) تطلق على كل فرد يتحدث بلغة اهل الجنوب ولايتحدث باللهجة البغدادية تنزيلا لمقامه وكان ذلك من نصيب سكان خلف السدة أولاً ثم عمم على ابناء الوسط والجنوب وبالأخص سكنة العمارة ومعدان الأهوار وأحيانا أهالي البصرة.
سمعت أول مرة بإسم الشروگ عندما أرسلني والدي إلى بغداد في العام الدراسي 1956-1957 وكنت اسكن في بيت خالتي في راغبة خاتون القريبة من منطقة خلف السدة ولم اكن زرت المنطقة في ذلك الوقت بسبب تخويف الأهل لنا وترهيبهم, لتجنب المنطقة ولكن عندما انتقل الوالد للسكن في بغداد اوائل العام 1958 قمت بزيارة منطقة خلف السدة وقابلت القوم (الشروگ) وتعرفت عن كثب على أحوالهم وكما سأذكر لاحقا.
لم نكن نسمع بالشروگ إطلاقاً في أي مكان من العراق قبلا فالإسم كان جديدا على العراقيين ومحصورا في أهالي بغداد الغنية والسنية.
كان أهلنا الأغنياء يحذروننا من الذهاب إلى مناطق (الشروگ) خلف السدة ويهولون لنا الأمور بأكثر من ذلك فهولاء (الهمج والمصاليخ) يخطفون الأولاد والبنات ويفعلوا بهم كذا وكذا من الهوايل والمصايب.
وأتذكر بأن سيدة فاضلة من أهل خلف السدة عملت لدينا بعد أن تربَّت في أحد بيوت العائلة وعندما كبرت وتزوجت, اشترت ارضا في أطراف الوزيرية ( وللأسف كان البعض من أقربائي يدعونها بالشرگاوية ) وكانت هذه المرأة تربي بضعة بقرات تقتات هي وعائلتها من بيع ألبانها وأجبانها للمعارف من سكان الوزيرية وكمب راغبة خاتون.
أخذتني زهرة, هذه السيدة في أحد الأيام إلى خلف السدة ورأيتني كأنني ذاهب إلى عالم آخر يختلف كليا عن مناطق بغداد فالدروب ملئى بالحفر وملتوية وغير مبلطة وتشقها السواقي الطينية المخلوطة بالمياه الملوثة والسيان وتحيطها وتملؤها اكوام المخلفات الآدمية التي تصدرروائح كريهة تخنق الأنفاس ومن حولها اكواخ القصب الباريات والطين والسعف والشينكو والصفائح المعدنية والأطفال نصف عرايا ينظرون بتكاسل لنا وتغطيهم سحب من الذباب تزيد الموقف رهبة.
ذهبنا نحن مجموعة من الصبية من اولاد الأغنياء واولاد زهرة وهي تقود إحدى بقراتها للبحث عن ذكر (ثور معروف وقوي للتلقيح) من بيت إلى بيت وهي تسأل. وأخيرا وجدت الثور المناسب في احد البيوت الطينية المترامية عشوائيا وبدون أي تخطيط أو شوارع عبرنا نحوه خلال أزقة ضيقة تكاد البقرة لا تتعداها إلا بصعوبة بالغة. وكانت هذه الأزقة معروفة بأسماء ساكنيها فقط.
كانت هذه هي التجربة الأولى والأخيرة لي في منطقة خلف السدة.
ولا أعرف هل علم أهلي بذلك ام لا؟؟؟ وما كان سيكون رد فعلهم؟؟؟
كانت الصرايف والمساكن الفقيرة في الأزقة تشابه كمب (Camp) الفلح في البصرة الذي كان يأوي مساكن عمال وحمالي الميناء آنذاك 1953- 1958 ( المصاليخ ) ولم يكن الأهل ليمنعونا من إرتياده والدراسة والتذاكر مع زملائنا في المدرسة من أهل الصرايف في كمب الفلح, تارة عندهم في الأكواخ وتارة في قصور (دور) موظفي الموانئ حيث كان بيتنا. ولم يكن أهل البصرة او وجهاء بغداد يسمونهم بأي تسمية عنصرية سوى (كولية وحماميل ومصاليخ) و الفلح اوالفقراء المساكين.
ثورة 14 تموز وسكان خلف السدة
جاءت ثورة الضباط الأحرار بمفاهيم جديدة وقضت على حكم المتسلطين من الأغنياء العنصريين وسرعان ما دبت بين الضباط الخلافات وانتصرت جماعة الزعيم عبد الكريم قاسم على العروبيين والمستعربين من امثال عارف العربنجي ورفعت سري التركماني وغيرهم من القومجية وتأججت نار الحقد ( الطائفي والعروبي والرأسمالي والملكي والإستعماري وأذنابهم ) على عبد الكريم قاسم العراقي ( القادم من الصويرة من شرقي بغداد ) الغير طائفي ولا متحزب و ينحدر من عائلة فلاحية متوسطة من الصويرة في وسط العراق والتي لم تكن تعرف تلك المنطقة المختلطة التفرقة الطائفية او العنصرية.
بدأ الزعيم عبد الكريم قاسم واقطاب حكمه يعطون فقراء بغداد والمعدمين منهم ( من سكان خلف السدة ) بعض من الحقوق الوطنية التي كانت مسلوبة بالكامل. وصارت الحكومة توزع الدور المشيدة حديثا عليهم وتنشئ لهم المدارس وتمد لهم الشوارع في الوقت الذي كان هؤلاء المعدمون يسكنون في اوضع المناطق وأحقر المنازل خلف السدة.
وأتذكر شيلة كان يرددها البعض من هؤلاء عندما ارادت امانة العاصمة ان تقطع طريقا مستقيما في المنطقة فكانت تهدم بعض البيوت التي تعرقل مسار الطريق, كان هؤلاء المساكين يرددون أمام وزارة الدفاع ( إحنا نزامط بيك وانت تشيِّلنا؟؟؟ ) بمعنى نحن نعلي شأنك وانت ترحلنا عن بيوتنا ويقصدون بذلك الزعيم قاسم.
لذلك صارت البيوت تبنى من قبل الأمانة وتوزع قبل هدم الصرائف التي كانت تسكن من جديد بنازح آخر يطالب بدار قبل هدم هذه والمفارقات كثيرة والحلفان وشهود الزور أكثر.
أما الذين كانوا يدعون هؤلاء الفقراء بالشروگ منذ زمن ويستخدمونهم في احقر المهن ويحرمونهم وأولادهم من التعليم فقد أصابهم الحقد والحسد خاصة وهم النخبة من المجتمعات الغنية وقسم كبير من اهالي بغداد الغربية التي يسكنها السنة على الغالب (والمتحدرين من شمال وغرب بغداد- من التكارتة والدوريين والفلوجيين تجار الحبوب مع الفلاحين الهاربين من ديارهم مثل المقبور ابن العوجة ومن لف لفهم لأسباب او بغيرها ), فانصب جام حقد هؤلاء القوم من العهد الملكي مع الأغنياء والعنصريون, على عبد الكريم قاسم وساعدوا القومجية والبعثيين ورجال الدين, من اللونين المتشيع والمتسنن, في القضاء على حكم الزعيم الخالد عبد الكريم قاسم.
ظل الناس في مدينة الثورة يدعون لعبد الكريم لما حققه لهم من مآثر إلى ان جاء من ظلمات العوجة, وبغفلة من الشعب, مع الحزب البعثفاشي واحتل العراق ونكب أهله وامعن في إذلال الذين لم يخدموا النظام وأوغل في إبتكار التسميات العنصرية ونعتهم بالمعدان والشروگ من باب الإذلال والحط من قدرهم.
وبنفس الطريقة أذل أصحاب الحزب المقبور(من التكارتة وأهل العوجة ) قسم من اقطاب حزب البعث المشؤوم والمتحدرين من الوسط والجنوب, كما حصل مع سيئ الصيت ناظم گزار (الشروگي - علما بأنه كان من أهل السماوة في لواء المنتفق) والآخر زعيمهم الذي كان يؤجر القتلة ( فؤاد الركابي ) والذي قتله من استؤجر لقتل عبد الكريم قاسم. وقتله ( ابن العوجة المأفون ) شر قتلة بأن أنكحه احد الغلمان في السجن إمعانا في الإذلال به وبعشيرته وتنكيلا بالفراتيين الأوسطين.راجع قرارات محاكم النظام السابق في مقتل فؤاد الركابي.
كذلك جرى مع اقطاب المرجعية الشيعية (الحكيم) التي ساندت البعث, بسبب إصدار قاسم لقانون الأحوال المدنية لإنصاف النساء, ونعت الزعيم قاسم والصق به تهمة الشيوعية وما أبعده عنها.
وإنقلب البعثيون بسرعة, كما جرت العادة, على من ساعدهم في القضاء على نظام الجمهورية القاسمية وبعدها بفترة قصيرة جرى تقصيص الحزبيين والعسكريين واصحاب العمائم وخاصة الشيعة منهم ومن استطاع الوقوف بجانب الحق على الباطل, وجرت عمليات تصفية شاملة وكان الفاعل والمتهم غير معروف لدى النظام, مثل محاولة قتل البارزاني او قتل الصدرين والمئات من حزب الدعوة وعشرات من القومجية والقوميين العرب وآلاف الشيوعيين وبعض البعثيين مثل حردان التكريتي (راجع مذكرات حردان).
النظام البعثفاشي ودوره في ترسيخ كلمة الشروگ
وظف النظام البعثي احسن اقلامه من حاملي الدكتوراه ليقلبوا التأريخ والجغرافيا ويغيروا من تأريخ العراق وثورة العشرين وماضي الأقوام العراقية الأصيلة التي كانت تسكن سواد العراق ويسدوا الأنهر ويهجروا الناس ووصموا اهل الأهوار السومريي الأصل بالهنود الذين جلبوا الجاموس معهم تارة وتارة أخرى بالغجر او الهندوس العرايا, وكأن أجداد ابناء العوجة لم يكونوا لا من عرايا تكريت ولا من عرق يهودي ولا هم يربون الجواميس قبلا ولم يكن هؤلاء البؤساء من ابناء العوجة سوى النخبة من اهل العراق؟؟؟!!!
تفاديا من ان توصم هذه الفئة البعثفاشية بالعنصرية فقد حورت النعرة في مراحل لاحقة واصبح العنصريون يرددون بأن أصل الشروگ هم من المعدان. واصدر العهد البعثفاشي عدة كتب وأبحاث من قبل شلـَّة من الدكاترة المتزلفين والخائفين على ارواحهم من السلطة وطغيانها وتسند أقاويل ابن العوجة (كما جرى من تمثيلية ايجاد شجرة عائلة الرئيس العفن وانتماءها –حاشى الله- إلى بيت الرسول الأعظم).
هكذا تم تحريف التأريخ ووصم المعدان بالشروگ و بالقوم النازحين من الهند مع الجواميس وأسسوا لنظريات أخرى تقول بأن عراقيوا سومر كانوا من الغجر وجاءوا من الشرق إلى آخره من الترهات, بعكس كل الدلائل الثابتة وخاصة الأحفورات السومرية والبابلية والآشورية التي يشاهد فيها صور العامة وهم بلباس البحر (السروال فقط) يقودون قطعان الجاموس منذ آلاف السنين (فأين ذهب بصر وبصيرة ازلام النظام من يدعي بأن هؤلاء من الهنود وأين صارت شهاداتهم الدكتورية المفخمة).
كلمة الشروگ هي كلمة عنصرية بحتة, خاصة وان لا أحد من اهل الجنوب والوسط يستطيع ان يأتي بمثل هذه الكلمة أو مرادفاتها لا في الاشعار او الدارميات او المواويل أو وجود أي كلمة تدل على هذه التسمية ( الشروگ ) مع العلم بأن هذه الأقوام في الجنوب لا تستحي من كلمة حق, وقد حوربوا من أجل كلمة الحق ردحا طويلا.
ثورة الفقراء الذين سماهم التأريخ المحرف بالزنج
نجح فقراء البصرة ومعدميهم من العرب والأجانب المستعبدين في البصرة بالثورة على أغنياءهم وامتدت هذه الثورة لتحرق الأخضر واليابس ويهرب أنصار الحكومة العباسية الأغنياء إلى شواطئ البصرة الحالية ويغتصبوا املاك المستضعفين (شيعة في الغالب) وأصبحوا هم الملَّاكة ( مالكي الأطيان وغابات النخيل) وأصبح الطرف الآخر المغلوب عبيد الأرض الفلاحين من عامة المتشيعين وبعض من طائفة السنة.
كان الثوار يتقاتلون في كر وفر مع قوات الحكومة المركزية في بغداد ولخمسة أعوام إلى ان حاصرت السلطة العباسية الثوار في منطقة ابو الخصيب (عاصمتهم) وهدمتها بالمجانيق وقتلوا الثوارعن بكرة أبيهم وهدمت المدينة المسورة بالكامل وسميت هذه الثورة ( بثورة الزنج ) ظلما, وانتهت لتخلف حقدا دفينا بين مناصري السلطة من الملاك والثوار الفقراء والفلاحين. (راجع تأريخ ثورة الزنج ). وكانت الأهوار تسمى في العصر العباسي بالبطيحة وأهلها معروفون في العراق وكيفية مساندتهم للثوار وخروجهم من الأهوار وهجومهم على الحكام العباسيين ووصولهم إلى الفرات الأوسط ثم انهزامهم واندحار ثورة الفقراء في تلك الأيام.
( للعلم بأن قائد الثوار كان يدعى محمد وينحدر من السلالة العلوية- راجع ثورة الزنج)
وقد أعاد التأريخ نفسه وبنفس الطريقة صار الحاكم البغدادي أو المدعي يسمي ابن الجنوب بالشروكي والمعيدي للإذلال!!!! لأنه بسيط في كلامه وملبسه وكلامه الخالي من الديباجات الحضرية ويحب الحق ويناصر ويأوي المظلوم خوفا من الحاكم الظالم عموما.
ليث رؤف حسن